يكتب فرانك تالبوت أن انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 دفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن روسيا تقف على حافة خسارة بنيتها العسكرية التي شيدتها في سوريا خلال عقد كامل. بدت القاعدتان الجويتان والبحريتان في حميميم وطرطوس مهددتين، مع شروع السلطات السورية الجديدة في إعادة تقييم علاقاتها الخارجية، وتحدثت تقارير إعلامية عن قيود جديدة وإعادة تفاوض تقلص هامش حركة القوات الروسية.
يشير التحليل الذي نشره موقع أتلانتيك كآونسل، إلى أن القلق الغربي يزداد من احتمال انتقال ثقل الوجود الروسي إلى ليبيا، مستنداً إلى علاقات موسكو الطويلة مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، واستخدام شرق ليبيا منصة لوجستية لتمديد النفوذ الروسي داخل أفريقيا.
روسيا بعد الأسد: خسارة أقل مما بدا
بعد عام على سقوط نظام الأسد، تبدو صورة روسيا في سوريا أكثر استقراراً مما توقعه كثيرون. حافظت موسكو على وجود عسكري أقل حجماً لكنه متماسك. أكدت لقاءات رفيعة المستوى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري أحمد الشرع استمرار الدور الروسي، وأعلن الشرع التزامه بالاتفاقيات العسكرية السابقة. أنتج هذا الواقع نفوذاً أضيق، لكنه لا يصل إلى مستوى الخسارة الاستراتيجية.
رغم عدم حاجة موسكو إلى “الخطة البديلة” الليبية لتعويض سوريا، واصلت خلال العام الماضي بناء شبكة لوجستية متنامية في شرق وجنوب ليبيا. استخدمت روسيا المطارات الليبية كنقاط عبور تتيح الوصول العميق إلى القارة الأفريقية، حيث تغذي بؤر عدم الاستقرار عبر شحنات السلاح ونشر عناصر “فيلق أفريقيا”، وهو تشكيل شبه عسكري يخضع لوزارة الدفاع الروسية ويعد وريثاً لمجموعة فاغنر.
لماذا أصبح جنوب ليبيا منصة استراتيجية؟
قبل اتضاح مستقبل سوريا ما بعد الأسد، بحثت موسكو بجدية عن بدائل استراتيجية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. رصدت تقارير تحركات جوية من سوريا إلى شرق ليبيا، ونقل معدات وأفراد، وزيارات دبلوماسية روسية مكثفة، وسط مخاوف غربية من سعي روسيا لإنشاء ميناء بحري في شرق ليبيا.
بعد مرور عام، لم تنجح موسكو في الحصول على ميناء على المتوسط الجنوبي، ويُرجح أن سلطات شرق ليبيا لا ترغب في تعريض علاقاتها المتحسنة مع الولايات المتحدة وتركيا وأوروبا للخطر عبر منح روسيا منشأة ساحلية كبرى. بدلاً من ذلك، توسعت روسيا في العمق الليبي.
برزت قاعدة معطن السارة الجوية قرب حدود تشاد والسودان كنقطة محورية. تعمل هذه القاعدة، الممولة بحسب تقارير من الإمارات، كمحطة انطلاق لعمليات روسية مزعزعة للاستقرار في منطقة الساحل. منذ ديسمبر 2024، وصلت إليها معدات روسية وعناصر عسكرية ومقاتلون سوريون مرتبطون بالنظام السابق.
لم تعتمد موسكو على موقع واحد فقط. استخدمت شبكة من المطارات تشمل الخادم شرقاً، والجفرة وسط البلاد، وبراك الشاطئ قرب سبها، والقرضابية جنوب سرت. شكّلت هذه المواقع مجتمعة ممر عبور مرناً يربط الوجود الروسي في سوريا بنشاطه المتنامي في الساحل الأفريقي. قللت هذه الشبكة من التدقيق الدولي، وخففت الحاجة إلى تنازلات سياسية من السلطات الليبية، ووفرت ممرات نائية تدعم عمليات لوجستية بعيدة المدى.
محاولات غربية لاحتواء التمدد الروسي
لم يمر توسع روسيا في ليبيا دون رد. سعت الولايات المتحدة وشركاؤها إلى كبح النفوذ الروسي عبر تسريع مسار توحيد المؤسسة العسكرية الليبية بين الشرق والغرب، مع وعود بالتعاون الأمني والتدريب. ركزت الجهود على صدام حفتر، نائب قائد قوات الشرق، بهدف فك الارتباط التدريجي بين قواته والدعم الروسي.
في فبراير، أرسلت الولايات المتحدة قاذفتين من طراز B-52H إلى الأجواء الليبية في تدريب مشترك مع مراقبين جويين ليبيين. في أبريل، نفذت البحرية الأميركية أول زيارة موانئ إلى ليبيا منذ أكثر من خمسين عاماً، وشملت طرابلس وبنغازي. في الشهر نفسه، استضافت أنقرة صدام حفتر، ثم نفذت البحرية التركية زيارات موانئ للمدينتين في أغسطس.
يخلص التحليل إلى أن القوة الحقيقية لروسيا في المنطقة لا تكمن حصراً في قواعدها السورية، بل في شبكتها البرية المرنة داخل ليبيا. هناك، بعيداً عن الأضواء، تبني موسكو منصة استراتيجية تمنحها قدرة مستدامة على التأثير في أفريقيا، حتى مع تراجع نسبي في بعض مواقع الشرق الأوسط.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/russias-most-important-middle-east-base-is-not-where-you-think/

